سورة مريم - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


اختلف الناس في الحروف التي في أوئل السور على قولين فقالت فرقة: هو سر الله في القرآن لا ينبغي أن يعرض له، يؤمن بظاهره ويترك باطنه. وقال الجمهور بل ينبغي أن يتكلم فيها وتطلب معانيها فإن العرب قد تأتي بالحرف الواحد دالاً على كلمة وليس في كتاب الله ما لا يفهم، ثم اختلف هذا الجمهور على أقوال قد استوفينا ذكرها في سورة البقرة، ونذكر الآن ما يختص بهذه السورة. قال ابن عباس وابن جبير والضحاك هذه حروف دالة على أسماء من أسماء الله تعالى الكاف من كبير وقال ابن جبير أيضاً الكاف من كاف وقال أيضاً هي من كريم فمقتضى أقواله أنها دالة على كل اسم فيه كاف من أسمائه تعالى. قالوا والهاء من هاد والياء من علي وقيل من حكيم وقال الربيع بن أنس هي من يأمن لا يجير ولا يجار عليه. قال ابن عباس والعين من عزيز وقيل من عليم وقيل من عدل، والصاد من صادق وقال قتادة بل {كهيعص} بجملته اسم السورة، وقالت فرقة بل هي اسم من أسماء الله تعالى. وروي عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه أنه كان يقول يا {كهيعص} اغفر لي، فهذا يحتمل أن تكون الجملة من أسماء الله تعالى ويحتمل ان يريد علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينادي الله تعالى بجميع الأسماء التي تضمنها {كهيعص}، كأنه أراد أن يقول يا كريم يا هادي يا علي يا عزيز يا صادق اغفر، فجمع هذا كله باختصار في قوله يا {كهيعص}. وقال ابن المستنير وغيره {كهيعص} عبارة عن حروف المعجم، ونسبه الزجاج الى أكثر أهل اللغة، أي هذه الحروف منها {ذكر رحمة ربك عبده زكريا} وعلى هذا يتركب قول من يقول ارتفع {ذكرُ} بانه خبر عن {كهيعص}، وهي حروف تهج يوقف عليها بالسكون. وقرأ الجميع كاف بإثبات الألف والفاء. وقرأ نافع الهاء والياء وبين الكسر والفتح ولا يدغم الدال في الذال، وقرأ ابن كثير ونافع أيضاً بفتح الهاء والياء، وقرأ الحسن بن أبي الحسن بضم الهاء وفتح الياء، وروي عنه ضم الياء، وروي عنه أنه قرأ كاف بضم الفاء.
قال أبو عمرو الداني: معنى الضم في الهاء والياء إشباع التفخيم وليس الضم الخالص الذي يوجب القلب، وقرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء، وقرأ عاصم بكسرها، وقرأت فرقة بإظهار النون من عين وهي قراءة حفص عن عاصم وهو القياس إذ هي حروف منفصلة، وقرأ الجميع غيره بإخفاء النون جعلوها في حكم الاتصال، وقرأ الأكثر بإظهار الدال من صاد، وقرأ أبو عمرو بإدغامه في الذال من قوله {ذكر}، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع بإظهار هذه الحروف كلها وتخليص بعضها من بعض، وارتفع قوله {ذكرُ} فيما قالت فرقة بقوله {كهيعص} وقد تقدم وجه ذلك، وقالت فرقة: ارتفع على خبر ابتداء تقديره هذا ذكر وقالت فرقة: ارتفع بالابتداء والخبر مقدر تقديره فيما أوحي اليك ذكر، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وابن يعمر {ذَكَرَ رحمة ربك} بفتح الذال والكاف والراء على معنى هذا المتلو ذكر رحمة بالنصب، هذه حكاية أبي الفتح.
وحكى أبو عمرو الداني عن ابن يعمر أنه قرأ {ذَكِّر رحمةَ} بفتح الذال وكسر الكاف المشددة ونصب الرحمة و{عبدَه} نصب ب الرحمة التقدير ذكر أن رحم ربك عبده ، ومن قال في الكلام تقديم وتأخير فقد تعسف. وقرأ الجمهور{زكرياء}بالمد، وقرأ الأعمش ويحيى وطلحة{زكريا}بالقصر وهما لغتان وفيه لغات غيرهما. وقوله {نادى} معناه بالدعاء والرغبة. واختلف في معنى إخفائه هذا النداء، فقال ابن جريح ذلك لأن الأعمال الخفية أفضل وأبعد من الرياء، ومنه قول النبي عليه السلام «خير الذكر الخفي» وقال غيره يستحب الإخفاء بين العبد ومولاه في الأعمال التي يزكو بها البشر، وفي الدعاء الذي هو في معنى العفو والمغفرة لأنه يدل من الإنسان على أنه خير فإخفاؤه أبعد من الرياء وأما دعاء {زكرياء} وطلبه فكان في أمر دنياوي وهو طلب الولد فإنما إخفاوه لئلا يلومه الناس في ذلك، وليكون على أول أمره إن أجيب نال بغيته وإن لم يجب لم يعرف أحد بذلك، ويقال وصف بالخفاء لأنه كان في جوف الليل. و{وهن} معناه ضعف، والوهن في الشخص أو الأمر الضعف وقرأ الأعمش{وهِن}بكسر الهاء {واشتعل} مستعارة للشيب من اشتعال النار على التشبيه به.
و {شيباً} نصب على المصدر في قول من رأى {اشتعل} بمعنى شاب، وعلى التمييز في قول من لا يرى ذلك بل رآه فعلاً آخر، فالأمر عنده كقولهم: تفقأت شحماً وامتلأت غيظاً. وقوله {ولم أكن بدعائك رب شقياً} شكر لله تعالى على سالف أياديه عنده معناه أي قد أحسنت إلي فيما سلف وسعدت بدعائي إياك فالإنعام يقتضي أن يشفع آخره أوله. وقوله تعالى: {وإني خفت الموالي} الآية، اختلف الناس في المعنى الذي من أجله خاف {الموالي}، فقال ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبو صالح خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق من ذلك، وروى قتادة والحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
«يرحم الله أخي زكرياء ما كان عليه ممن يرث ماله» وقالت فرقة إنما كان مواليه مهملين للدين، فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب {ولياً} يقوم بالدين بعده حكى هذا القول الزجاج وفيه أنه لا يجوز أن يسأل {زكرياء} من يرث ماله إذ الأنبياء لا تورث.
قال القاضي أبو محمد عبدالحق بن عطية رضي الله عنه: وهذا يؤيد قول النبي عليه السلام «إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة»، ويوهنه ذكر العاقر. والأكثر من المفسرين على أنه أراد وراثة المال، ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنا معشر النبياء لا نورث» أن لا يريد به العموم بل على أنه غالب امرهم فتأمله، والأظهر الأليق {زكرياء} عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين فتكون الوراثة مستعارة، ألا ترى أنه إنما طلب {ولياً}، ولم يخصص ولداً فبلغه الله أمله على أكمل الوجوه. وقال أبو صالح وغيره: قوله {يرثني} يريد المال، وقوله {ويرث من آل يعقوب} يريد العلم والنبوة. وقال السدي: رغب {زكرياء} في الولد. و{خفت} من الخوف هي قراءة الجمهور وعليها هو هذا التفسير، وقرأ عثمان بن عفان رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عباس وسعيد بن العاصي وابن يعمر وابن جبير وعلي بن الحسين وغيرهم {خَفَّتِ} بفتح الخاء والفاء وشدها وكسر التاء على إسناد الفعل الى {الموالي} والمعنى على هذا انقطع أوليائي وماتوا، وعلى هذه القراءة فإنما طلب {ولياً} يقول بالدين، و{الموالي} بنو العم والقرابة الذين يلون بالنسب. وقوله {من ورائي} أي من بعدي في الزمن فهم الولاء على ما بيناه في سورة الكهف، وقال أبو عبيدة في هذه الآية أي من بين يدي ومن أمامي وهذا قلة تحرير. وقرأ ابن كثير {من ورائيَ} بالمد والهمز وفتح الياء، وقرأ أيضاً ابن كثير {من ورايَ} بالياء المفتوحة مثل عصاي، والباقون همزوا ومدوا وسكنوا الياء. والعاقر من النساء التي لا تلد من غير كبرة وكذلك العاقر من الرجال.
ومن قول عامر بن الطفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً *** جباناً فما عذري لدى كل محضر
و {زكرياء} عليه السلام لما رأى من حاله إنما طلب {ولياً} ولم يصرح بولد لبعد ذلك عنده بسبب المرأة، ثم وصف الولي بالصفة التي هي قصده وهو أن يكون وارثاً. وقالت فرقة: بل طلب الولد ثم شرط أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه تحفظاً من أن تقع الإجابة في الولد لكن يخترم فلا يتحصل منه الغرض المقصود. وقرأ الجمهور {ويرثُني} برفع الفعلين على معنى الصفة للولي وقرأ أبو عمرو والكسائي {يرثْني ويرثْ} بجزم الفعلين، وهذا على مذهب سيبويه ليس هو جواب {هبْ} إنما تقديره إن تهبه يرثْني والأول أصوب في المعنى لأنه طلب وارثاً موصوفاً، ويضعف الجزم أنه ليس كل موهوب يرث.
وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وغيرهما {يرثني وارث من آل يعقوب}، قال أبو الفتح هذا هو التجريد، التقدير: يرثني منه أو به وارث، وقرأ مجاهد {يرثَني ويرثَ} بنصب الفعلين، وقرأت فرقة {يرثني أو يرث من آل يعقوب} على التصغير. وقوله من {آل يعقوب} يريد يرث منهم الحكمة والحبورة والعلم والنبوءة والميراث في هذه كلها استعارة و{رضياً} معناه مرضي فهو فعيل بمعنى مفعول.


المعنى قيل له بإثر دعائه {يا زكريا إنا نبشرك بغلام} يولد لك {اسمه يحيى} وقرأ الجمهور {بَشِّرك} بفتح الباء وكسر الشين مشددة، وقرأ أصحاب ابن مسعود {نبْشُرك} بسكون الباء وضم الشين، قال قتادة: سمي {يحيى} لأن الله أحياه بالنبوءة والإيمان، وقال بعضهم سمي بذلك لأن الله أحيا له الناس بالهدى. وقوله {سمياً} معناه في اللغة لم نجعل لم مشاركاً في هذا الاسم، أي لم يتسم قبل ب {يحيى} وهذا قول قتادة وابن عباس وابن أسلم والسدي، وقال مجاهد وغيره {سمياً} معناه مثلاً ونظيراً وهذا كأنه من المساماة والسمو، وفي هذا بعد لأنه لا يفضل على إبراهيم وموسى اللهم إلا أن يفضل في خاص بالسؤود والحصر. وقال ابن عباس معناه لم تلد العواقر مثله. وقول زكرياء {أنى يكون لي غلام} اختلف الناس فيه فقالت فرقة: إنما كان طلب الولي دون تخصيص ولد فلما بشر بالولد استفهم عن طريقه مع هذه الموانع منه، وقالت فرقة: إنما كان طلب الولد وهو بحال يرجو الولد فيها بزواج غير العاقر أو تسرٍّ، ولم تقع إجابته إلا بعد مدة طويلة صار فيها الى حال من لا يولد له فحينئذ استفهم وأخبر عن نفسه ب {الكبر} والعتو فيه. وقالت فرقة: بل طلب الولد فلما بشر به لحين الدعوة تفهم على جهة السؤال لا على جهة الشك كيف طريق الوصول الى هذا وكيف نفذ القدر به؟ لا أنه بعد عنده هذا في قدرة الله. والعتي والعسي المبالغة في الكبر أو يبس العود أو شيب الرأس أو عقيدة ما ونحو هذا، وقرأ حمزة الكسائي {عِتياً} بكسر العين والباقون بضمها، وقرأ ابن مسعود {عَتياً} بفتح العين، وحكى أبو حاتم أن ابن مسعود قرأ {عُسياً} بضم العين وبالسين وحكاها الداني عن ابن عباس أيضاً، وحى الطبري عن ابن عباس أنه قال: ما أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر ولا أدري أكان يقرأ {عتياً} أو {عسياً} بالسين. وحكى الطبري عن السدي أنه قال: نادي جبريل زكرياء إن الله يبشرك {بغلام إسمه يحيى} فلقيه الشيطان فقال له إن ذلك الصوت لم يكن لملك وإنما كان لشيطان فحينئذ قال زكرياء {أنى يكون لي غلام}، ليثبت إن ذلك من عند الله، و{زكرياء} هو من ذرية هارون عليه السلام، وقال قتادة: جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة وقيل ابن سبعين وقال الزجاج: ابن خمس وستين فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له.
وقوله {قال كذلك} قيل إن المعنى قال له الملك {كذلك} فليكن الوجود كما قيل لك {قال ربك} خلق الغلام {عليّ هين}، أي غير بدع فكما {خلقتك من قبل} وأخرجتك من عدم الى وجود كذلك أفعل الآن، وقال الطبري: معنى قوله {كذلك} أي الأمران اللذان ذكرت من المرأة العاقر والكبرة هو {كذلك} ولكن {قال ربك} قال القاضي والمعنى عندي قال الملك {كذلك} أي على هذه الحال {قال ربك هو علي هين}. وقرأ الجمهور {وقد خلقتك} وقرأ حمزة الكسائي {وقد خلقناك}. وقوله {ولم تك شيئاً} أي موجوداً، قال زكرياء {رب اجعل لي آية} علامة أعرف بها صحة هذا وكونه من عندك. وروي أن زكرياء عليه السلام لما عرف ثم طلب الآية بعد ذلك عاقبه الله تعالى بأن أصابه بذلك السكوت عن كلام الناس، وذلك وإن لم يكن عن مرض خرس أو نحوه ففيه على كل حال عقاب. ما روي عن ابن زيد أن زكرياء لما حملت زوجته منه يحيى أصبح لا يستطيع أن يكلم احداً، وهو مع ذلك يقرأ التوراة ويذكر الله، فإذا أراد مقاولة أحد لم يطقه، ويحتمل على هذا أن يكون قوله {اجعل لي آية} معناه علامة أعرف بها أن الحمل قد وقع، وبذلك فسر الزجاج. ومعنى قوله {سوياً} فيما قال الجمهور صحيحاً من غير علة ولا خرس، وقال ابن عباس أيضاً ذلك عائد على الليالي أراد كاملات مستويات، وقوله {فخرج على قومه} المعنى أن الله تعالى أظهر الآية بأن خرج زكرياء من محرابه وهو موضع مصلاة، و{المحراب} أرفع المواضع والمباني اذ هي تحارب من ناوأها ثم خص بهذا الاسم مبنى الصلاة، وكانوا يتخذونها فيما ارتفع من الأرض، واختلف الناس في اشتقاقه، فقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرب كأن ملازمة يحارب الشيطان والشهوات، وقالت فرقة: هو مأخوذ من الحرَب بفتح الراء كأن ملازمه يلقى منه حرباً وتعباً ونصباً، وفي اللفظ بعد هذا نظر، وقوله {فأوحى} قال قتادة وابن منبه: كان ذلك بإشارة، وقال مجاهد: بل بأن كتبه في التراب.
قال القاضي أبو محمد: وكلا الوجهين وحي. وقوله {أن سبحوا}، {أن} مفسرة بمعنى أي، و{سبحوا} قال قتادة: معناه صلوا، والسبحة الصلاة، وقالت فرقة: بل أمرهم بذكر الله وقول سبحان الله. وقرأ طلحة {أن سبحوه} بضمير، وباقي الآية ويقال وحى وأوحى بمعنى واحد.


المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود {يا يحيى}، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه. و{الكتاب} التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجوداً عند الناس. وقوله {بقوة} أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال {وآتيناه الحكم صبياً}، واختلف في {الحكم} فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها، و{صبياً} يريد شاباً لم يبلغ حد الكهول. وقال الحسن {الحكم} النبوة، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال، وقال فرقة {الحكم} الحكمة، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبياً، وقوله {وحناناً} عطف على قوله {الحكم} {وزكاة} عطف عليه، أعمل في جميع ذلك {آتيناه}، ويجوز أن يكون قوله {وحناناً} عطفاً على قوله {صبياً}، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك، فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل حنانيك تثنية الحنان، وقال عطاء بن أبي رباح {حناناً من لدنا} بمعنى تعظيماً من لدنا. والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً. وقد روي عن ابن عباس أنه قال والله ما أدري ما الحنان. والزكاة التطهير والتنمية في وجود الخير والبر. والتقي من تقوى الله عز وجل، وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء» وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة ولا همَّ بأمراة، وقال مجاهد: كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ومن الشواهد في الحنان قوله امرئ القيس: [الوافر]
وتمنحها بنو شمجى بن جرم *** معيزهمُ حنانك ذا الحنان
وقال النابغة: [الطويل]
أبا منذر أفنيت فاستبقِ بعضنا *** حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال الآخر: [منذر بن إبراهيم الكلبي] [الطويل]
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا *** أذو نسب أم أنت بالحي عارف
وقوله تعالى: {وبراً بوالديه} الآية، البر الكثير البر.
و الجبار المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه والنخلة الجبارة العظيمة العالية. والعصي أصله عصوي فعول بمعنى فاعل. وروي أن يحيى بن زكرياء عليه السلام لم يواقع معصية صغيرة ولا كبيرة كما تقدم. وقوله {وسلام} قال الطبري وغيره، معناه وأمان، والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان وهي أقل درجاته وإنما الشرف في أن أسلم الله عليه وحياه في المواطن التي الأنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر الى الله وعظيم الهول، وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع لي فأنت خير مني. فقال عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
قال القاضي أبو محمد: قال أبي، رضي الله عنه: انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى بأن قال إذلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه عليه السلام لكل وجه.
المعنى فولد له وقال الله تعالى للمولود {يا يحيى}، وهذا اختصار ما يدل الكلام عليه. و{الكتاب} التوراة بلا اختلاف لأنه ولد قبل عيسى ولم يكن الإنجيل موجوداً عند الناس. وقوله {بقوة} أي العلم به والحفظ له والعمل به والالتزام للوازمه ثم أخبر الله تعالى فقال {وآتيناه الحكم صبياً}، واختلف في {الحكم} فقالت فرقة الأحكام والمعرفة بها، و{صبياً} يريد شاباً لم يبلغ حد الكهول. وقال الحسن {الحكم} النبوة، وفي لفظ صبي على هذا تجوز واستصحاب حال، وقال فرقة {الحكم} الحكمة، وروى معمر في ذلك أن الصبيان دعوه وهو طفل الى اللعب فقال إني لم أخلق للعب فتلك الحكمة التي آتاه الله عز وجل وهو صبي أهم لذاته اللعب. وقال ابن عباس: من قرأ القرآن من قبل أن يحتلم فهو ممن أوتي الحكم صبياً، وقوله {وحناناً} عطف على قوله {الحكم} {وزكاة} عطف عليه، أعمل في جميع ذلك {آتيناه}، ويجوز أن يكون قوله {وحناناً} عطفاً على قوله {صبياً}، أي وبحال حنان منا وتزكية له والحنان الرحمة والشفقة والمحبة قاله جمهور المفسرين، وهو تفسير اللغة. وهو فعل من أفعال النفس ويقال حنانك وحنانيك، فقيل هما لغتان بمعنى واحد، وقيل حنانيك تثنية الحنان، وقال عطاء بن أبي رباح {حناناً من لدنا} بمعنى تعظيماً من لدنا. والحنان في كلام العرب أيضاً ما عظم من الأمور في ذات الله تعالى، ومن قول زيد بن عمرو بن نفيل في خبر بلال بن رباح والله لئن قتلتم هذا العبد لأتخذن قبره حناناً.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال والله ما أدري ما الحنان. والزكاة التطهير والتنمية في وجود الخير والبر. والتقي من تقوى الله عز وجل، وروي في تفسير هذه الآية من طريق عبدالله بن عمرو عن النبي عليه السلام أنه قال «كل بني آدم يأتي يوم القيامة وله ذنب إلا ما كان من يحيى بن زكرياء» وقال قتادة: إن يحيى عليه السلام لم يعص الله قط بصغيرة ولا بكبيرة ولا همَّ بأمراة، وقال مجاهد: كان طعام يحيى العشب وكان للدمع في خده مجار ثابتة ومن الشواهد في الحنان قوله امرئ القيس: [الوافر]
وتمنحها بنو شمجى بن جرم *** معيزهمُ حنانك ذا الحنان
وقال النابغة: [الطويل]
أبا منذر أفنيت فاستبقِ بعضنا *** حنانيك بعض الشر أهون من بعض
وقال الآخر: [منذر بن إبراهيم الكلبي] [الطويل]
فقالت حنان ما أتى بك هاهنا *** أذو نسب أم أنت بالحي عارف
وقوله تعالى: {وبراً بوالديه} الآية، البر الكثير البر. والجبار المتكبر كأنه يجبر الناس على أخلاقه والنخلة الجبارة العظيمة العالية. والعصي أصله عصوي فعول بمعنى فاعل. وروي أن يحيى بن زكرياء عليه السلام لم يواقع معصية صغيرة ولا كبيرة كما تقدم. وقوله {وسلام} قال الطبري وغيره، معناه وأمان، والأظهر عندي أنها التحية المتعارفة فهي أشرف وأنبه من الأمان لأن الأمان متحصل له بنفي العصيان وهي أقل درجاته وإنما الشرف في أن أسلم الله عليه وحياه في المواطن التي الأنسان فيها في غاية الضعف والحاجة وقلة الحيلة والفقر الى الله وعظيم الهول، وذكر الطبري عن الحسن أن عيسى ويحيى التقيا وهما ابنا الخالة فقال يحيى لعيسى: ادع لي فأنت خير مني. فقال عيسى: بل أنت ادع لي فأنت خير مني سلم الله عليك وأنا سلمت على نفسي.
قال القاضي أبو محمد: قال أبي، رضي الله عنه: انتزع بعض العلماء من هذه الآية في التسليم فضل عيسى بأن قال إذلاله في التسليم على نفسه ومكانته من الله التي اقتضت ذلك حين قرر وحكى في محكم التنزيل أعظم في المنزلة من أن يسلم عليه عليه السلام لكل وجه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8